وهو أن الحكم متى ما ثبت شرعا فالظاهر دوامه لما تعلق به من المصالح الدينية والدنيوية، ولا بتغير المصلحة في زمان قريب وإنما تحتمل التغيير عند تقادم العهد، فمتى طلب المجتهد الدليل المزيل، ولم يظفر به، فالظاهر عدمه. وهذا نوع اجتهاد، وإذا كان البقاء ثابتا بالاجتهاد لا يترك باجتهاد مثله ترجيح، ويكون حجة على الخصم كمن تعلق بقياس صحيح، فأنكر خصمه، وعارضه بقياس لا رجحان له على الأول. يجب أن يكون المنكر محجوبا به لأن ذلك حكم قد ثبت بقاؤه بالاجتهاد، فلا يزول إلا بدليل بترجح على الأول، وإن كان أوجب شبهة في الأول. وهذا معنى قول الفقهاء ما أمضى بالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله. ألا ترى أن الحكم المطلق في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان محتملا للنسخ ثم هو ثابت في حق من كان بعيدا عنه في حق وجوب العمل به، والإلزام على الغير، ودعوة الناس في ذلك. فعرفنا أن الاستصحاب حجة ملزمة.
باب النسخ
(?) مسألة: أنهل النسخ:
قال أبو العباس بن سريج: "إذا قيل لك النسخ على كم ضرب؟ فقل على ضروب ثلاثة".
نسخ للحكم وتبقية للخط. ونسخ للخط وتبقية للحكم، ونسخ للخط والحكم جميعا.
والحجة في ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرضاع عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس". فهذا ما نسخ حكمه وخطر.
وأما ما نسخ خطه وثبت حكمه، فالحجة فيه ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم {الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة} ". فهذا مما نسخ خطه وثبت حكمه وهو الرجم.
وأما ما نسخ حكمه وثبت خطه فمثل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِه} (?) .