الرواية الأولى المتفق عليها، أن ذلك كان عند نزول الآية، وهو مشكل، لأن قدوم عدي- رضي الله عنه- وإسلامه كان بالاتفاق، في شهر شعبان من سنة سبع [573] ، ونزول الآية كان في أوّل الإسلام قبل [574] ذلك بزمن طويل، فإن الاتفاق على أن هذه الآية نزلت ناسخة لما كان عليه الصحابة في أوّل فرض الصوم، من تحريم الأكل والجماع على الإنسان بعد ما ينام [575] ، إلى أن اتفقت قصة عمر- رضي الله عنه - وقيس بن صرمة - رضي الله عنه - ونزل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ... } [576] الآية. قال السدي وأبو العالية والربيع بن أنس: "كان ذلك في أوّل الإسلام، ثم نسخه الله تعالى" [577] ، ومعلوم أن فرض رمضان كان في سنة اثنتين من الهجرة [578] ، فيكون نزول هذه الآية [579] إما في تلك السنة، أو في سنة ثلاث، ولم ينقل أحد أن هذا الحكم تمادى إلى سنة سبع، بعد إسلام عدي بن حاتم - رضي الله عنه - وفي صحيح البخاري [580] ، من طريق أبي إسحاق السبيعي، سمعت البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: "لما نزل صوم رمضان، كانوا لا يقربون النساء، رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ... } [581] الآية. ففي هذه الرواية – أيضا - إشعار بأن ذلك كان في أوّل - الإسلام -[582] . فالذي يظهر أن عديّا - رضي الله عنه- لما سمع الآية تأوّل فيها ما تأوله غيره من الصحابة - رضي الله عنهم [583] ، عند نزولها - كما سيأتي -، إلا أن ذلك كان عند نزول الآية، فتكون الرواية الأولى [584] حدّث بها بعض الرواة بالمعنى، ولم يتفطن الشيخان لما فيها من المخالفة، من تقييد ذلك بنزول الآية، وأيضا فالآية لم تنزل بكمالها من أوّل الأمر، بل تأخر نزول قوله [585] تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} ، عن نزول بقيتها، فقد روى أبو حازم، عن سهل بن سعد [586]- رضي الله عنهما -