تقدم القول أن الزملكاني كان لا يقرب إلا المهرة من تلاميذه [69] ، وقد كان العلائي مكتسبا لهذه الصفة، مما جعل الزملكاني يحتفظ به تلميذا بارزا وملازما له سفرا وحضرا [70] ، وكانت صحة الذهن، وسرعة الفهم صفتين تتمع بهما العلائي، مع جد واجتهاد في طلب العلم، حتى تقدم في العلوم وفاق على أقرانه [71] ، واحتل مكانة علمية عالية، السبب الذي جعل شيخه المزي - وهو المشهود له بالحفظ وعلو المرتبة في العلم والإمامة - ينزل للعلائي عن مشيخة حلقة صاحب حمص، فدرس بها العلائي، وحضر عنده الفقهاء والقضاة والأعيان [72] ، وكان عمره حينذاك ثلاثا وثلاثين سنة [73] ، بلغ الإمامة والتفنن في عدد من العلوم، ومصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن، كان حافظ زمانه لم ير السبكي خلفا له سواه، ولم يخلف العلائي مثله [74] ، وما يأتي في ذكر مناصبه وألقابه العلمية شاهد على علمه وتقدمه، وقد نقل السبكي عن والده قوله: "ما أعلم أحداً يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخص آخر غائب عن دمشق" ... قال السبكي: "وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي" [75] .

وفي ما تقدم برهان يوقف القارئ الكريم على ما كان يتمتع به العلائي - رحمه الله - من مكانة علمية رفيعة، أقر بها كبار العلماء، فقد فاق الأقران وانتزع المناصب من الشيوخ والأعيان [76] ، لأنه العالم المتبحر، والناقد المنظّر، والمؤلف المحرر، تقدم في علم الرجال والعلل، والمتون والأسانيد [77] كان حافظ زمانه [78] ، يستحضر الرجال والعلل [79] ، بلغ الإمامة في علوم كثيرة [80] ، برع وحقّق ودقّق، قال الصفدي: "اجتمعت به مرة بدمشق، والقدس، والقاهرة، وارتويت من فوائده في كل علم، وقلّ أن رأيت مثله في تحقيق ما يقوله، وتدقيقه [81] ، ولم يكن أحد يدانيه في الحديث في عصره" [82] .

عقيدته:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015