وفي عام 330 هـ قاد الروم هجوماً على الثغور، ونهبوا البلاد، وخربوا، ووصلوا إلى قريب من حلب، وسبوا نحو خمسة عشر ألف إنسان، فدخل بشرى الثملي من ناحية طرسوس إلى بلاد الروم، فقتل وسبى، وعاد سالماً، وقد أسر عدة من بطارقتهم االمشهورين [137] .
وعاد الروم بقوة فهاجموا الثغور الجزرية عام 331 هـ، وأعطى ملك الروم صفة الحرب الصليبية لحروبه، فافتعل قضية المنديل، زعم أن المسيح مسح به وجهه، فارتسمت صورته فيه، وأن هذا المنديل في بيعة الرها، وأرسل إلى المتقي بالله، يطلب هذا المنديل، مقابل جميع من سبى من المسلمين. فأحضر المتقي القضاة، والفقهاء، واستفتاهم، فاختلفوا تسليمه. ثم وافق الخليفة على رأي الوزير علي بن عيسى عندما قال: "إن خلاص المسلمين من الأسر، والضر، والضنك الذي هم فيه، أولى من حفظ هذا المنديل"فأمر بتسليمه إليهم [138] . فشُحن الصليبيون شحنة دينية حماسية، وجههم بها ملك الروم لمهاجمة الثغور.
طرسوس ومأساتها 334- 355 هـ:
في عام 334 هـ في عهد الخليفة المستكفي بالله 329- 334 هـ، خضعت الخلافة العباسية لسيطرة البويهين، الذين اهتموا في تثبيت نفوذهم في العراق، وفارس، ولم يلعبوا دوراً في الجهاد الإسلامي، وأحداث العالم الإسلامي. فيروى أنه كان في اصطبلات معز الدولة أحمد بن بويه: "اثنا عشر ألف فرس، أغلاها ثمنا بمائة ألف درهم، وأدناها ثمنا بعشرد آلاف درهم، لم يطرح قط على فرس منها بسرج في سبيل الله… " [139]