1 - أن في إبقاء المطلق على إطلاقه وعدم حمله على المقيد احتياطا، وينبغي مراعاة الاحتياط في الأحكام الشرعية، وجه الاحتياط أنه عند إبقاء المطلق على إطلاقه يجب الواجب مع السبب المطلق والسبب المقيد، وأما عند الحمل فإن الواجب يجب مع السبب المقيد فقط، ووجوب الواجب في الحالتين أقرب إلى الاحتياط من وجوبه في حالة واحدة.
ويجاب عن هذا الدليل بأنه إنما يتم لو لم يكن هناك دليل على التقييد أما عند وجود دليل التقييد من قبل الشارع فإن الذي ينبغي هو المصير إلى الدليل.
2 - أنه لا توجد منافاة بين سببية المطلق والمقيد إذ أن الشيء الواحد قد يكون له أسباب متعددة وما دامت المنافاة منعدمة فلا مقتضى للحمل، لأن المقتضى له هو المنافاة بين المطلق والمقيد.
وقد اعترض على هذا الدليل بأن المنافاة بين سببية المطلق والمقيد متصورة لأن معنى كون كل منهما سببا أن كل واحد منهما سبب تام له، وتمامية السببية تقتضي عدم الحاجة إلى الآخر، فلو كان المطلق سببا تاما لمنع الاحتياج إلى القيد ولكنه لم يمنع من ذلك، ومن هنا ظهرت المنافاة بين تمامية سببية المطلق مع تمامية سببية المقيد ولدفع تلك المنافاة ينبغي حمل المطلق على المقيد (1) .
حقيقة المذهب الثالث واستدلاله:
أن أصحاب المذهب الثالث عندما يقولون إن المقيد هو الذي يحمل على المطلق لا يقصدون بذلك آن المقيد يراد منه المطلق، إذ لو عنوا ذلك لأدى قولهم إلى إلغاء القيد وذلك ممتنع، بل يريدون بذلك أن سببية المقيد تتأتى من سببية المطلق ذلك أن المطلق سبب حقيقة والمقيد مشتمل عليه؛ لكون المطلق جزءاً للمقيد كما سبق ذلك والكل مشتمل على الجزء، فسببية المقيد لاشتماله على السبب حقيقة وهو المطلق وإطلاق السبب على ما هو مشتمل على السبب الحقيقي شائع.
وهذا المذهب يلتقي في النتيجة مع المذهب الثاني، وهي إبقاء المطلق على إطلاقه وعدم حمله على المقيد، وإن اختلف عنه في التعبير والتعليل..