ثانيا: أن التساوي في أصل القطعية لا يستلزم التساوي في قوة الدلالة التي تتفاوت درجاتها صعوداً ونزولا رغم استقرارها عند قاعدة واحدة هي أصل القطعية. صحيح أن دلالة العام قوية ولتكن قطعيتها أيضاً، ولكن عندما تكون أفراد الخاص هي المدلولة، تكون دلالة الخاصِ عليها أكثر قوة وأقوى قطعية من دلالة العام عليها، إذ أن الخاص يدل عليها وحدها منفردًا بها مصرحًا باسمها، في حين يدل العام عليها مع غيرها غير خاص عليها. فلا يتأتى التساوي الذي يشترطه العلماء بين الدليلين كي يتم النسخ بينهما.

ثانياً: أن التسوية بين الخاص والعام في الاحتمالية المبنية على عدم ورود تخصيص إلا بالعام الذي هو الخاص الإضافي لا الحقيقي، يلاحظ عليه: أنه وقع التخصيص بالخاص الحقيقي. مثل قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (1) ، فإنه خصص قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (2) ، ولا شك أن إباحة الأكثر من الأربع كانت خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم خاص حقيقي.

وكذلك خص قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم} (3) بما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم من كفاية شهادة خزيمة رضي الله عنه لمن شهد له دون الحاجة إلى شاهد آخر.

وخزيمة خاص حقيقي. وبهذا انتقض دعوى عدم التخصيص إلا بالعام.

هذا، وأن الحنفية ومن معهم قد ساقوا دليلاً، وسيق لهم ثلاثة أجيب عنها كلها والذي يظهر لي - والله أعلم - أن تلك الإجابات قد أقعدت تلك الأدلة عن أن تنهض حججًا تثبت ما سيقت له. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن الراجح هو التخصيص بالخاص المتقدم على العام.

الحالة الرابعة: عدم معرفة التاريخ بين الخاص والعام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015