فلو كانت مختصة بما لا يعقل لما احتيج إليه، ولما كان لها فائدة سوى التأكيد أما بناء على أن (ما) متناولة لما يعقل، تكون فائدة هذا القيد التأسيس، والتأسيس أولى من التأكيد، لأنه الأصل فحمل الكلام عليه أولى.
ومن جهة ثانية فإن ابن الزبعري فهم تناول (ما) في هذه الآية لمن يعقل ولهذا بادر بسؤاله عن مصير عيسى وعزير والملائكة عليهم السلام، وهو من فصحاء العرب عارف
بلغاتها ملم بمراميها وأسرارها. وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه سؤاله بل انتظر البيان بالتخصيص. فسؤال ابن الزبعري وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لسؤاله يدلان على أن (ما) في هذه الآية تعم من يعقل.
بقي بعد ذلك، قول المانعين عن تراخي المخصص، إن المخصص في هذه الآية هو العقل بناء على فرض تسليم تناول (ما) لمن يعقل، ويجاب عنه بأن قيام المخصص العقلي عند نزول هذه الآية غير مسلم، لأن عدم رضا المسيح والملائكة بعبادة الناس لهم إنما يعرف بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الآية، لا بالعقل إذ لا مجال له في إدراكه، فإذاً تكون الآية هي المخصصة لا العقل.