والقرن الرابع عشر طلع علينا بامتيازات غير معروفة من قبل من البلايا والرزايا والنكبات والنكسات التي تبلبل العقول وتهز الاتجاهات الإنسانية، ومن أكبرها خطرا استيراد الحضارة الغربية القتالة التي أثرت في حياة الأمة الإسلامية أيما تأثير، فصرفت الشباب المؤمن عن الجادة الصحيحة المستقيمة، فانطفأ النور وعم الظلام وكثر الناعقون خلال هذا الظلام الدامس، فقسمت الناس إلى معسكرين بارزين شرقي وغربي، بعدما قسمهم الإسلام إلى معسكرين الإيمان والكفر أو الهداية والظلال، وإن هؤلاء الناعقين الغاشمين لبسوا كل ثوب حتى يصلوا إلى مهمتهم، فكان منهم المستشرقون الذين عُنُوا بدراسة العلوم الشرقية والمعارف الإسلامية للكيد للإسلام، والدس والافتراء عليه وعلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، راغبين في إلباس الإسلام أثوابا مستوردة مشوهة، وكان منهم الكتاب في الداخل الذين اشتراهم المبشرون والاستعمار بثمن بخس يستخدمونهم في مهاجمة الدين لفصل الدين عن الدولة، مقلدين حملة الاستشراق البشع تقليد الأعمى، ولاشك أن الاستشراق متولد من أبوين غير شرعيين: التبشير الذي خططه والاستعمار الذي غذَّاه، وجميع هذه الأفكار والتنظيمات والمؤامرات المضادة للإسلام متفقة على نقطة واحدة وهي تقويض دعائم العقيدة الإسلامية الغراء ليغرسوا مكانها بعض التصورات والمفاهيم الجهنمية، ليصبح أبناء الإسلام حيارى لا يعرفون عنوان الإسلام فضلا عن مبادئه وتعاليمه.