وذهب آخرون من أهل العم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة الأعجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام وما نهاهم عنه من المعاصي والآثام وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها. ولا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم ولا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية ولا يؤثر فيهم خطبة الخطيب بها تسابقا إلى تعلمها وحرصا عليها. فالمقصود حينئذ لم يحصل والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق. وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين التي يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة. وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين اللغتين، وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين.