والقول الثاني: معناه القبض نقل ذلك أبن جرير في تفسيره عن جماعة من السلف واختاره ورجحه على ما سواه وعليه فيكون معنى الآية: إني قابضك من عالم الأرض إلى عالم السماء وأنت حيّ ورافعك إليّ. ومن هذا المعنى قول العرب: "توفيت مالي من فلان"أي قبضته كله وافيا.
والقول الثالث: أن المراد بذلك: وفاة النوم؛ لأن النوم يسمى وفاة, وقد دلت الأدلة على عدم موته عليه السلام فوجب حمل الآية على وفاة النوم جمعاً بين الأدلة كقوله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} , وقوله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} . والقولان الأخيران أرجح من القول الأول, وبكل حال فالحق الذي دلت عليه الأدلة البينة وتظافرت عليه البراهين أنه عليه الصلاة والسلام رفع إلى السماء حيا وأنه لم يمت بل لم يزل عليه السلام حيا في السماء إلى أن ينزل في آخر الزمان ويقوم بأداء المهمة التي أسندت إليه المبينة في الأحاديث الصحيحة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يموت بعد ذلك الموتة التي كتبها الله عليه ومن هنا يعلم أن تفسير التوفي بالموت قول ضعيف مرجوح وعلى فرض صحته فالمراد بذلك التوفي الذي يكون بعد نزوله في آخر الزمان فيكون ذكره في الآية قبل الرفع من باب المقدم ومعناه التأخير لأن الواو لا تقتضي الترتيب كما نبه عليه أهل العلم والله الموفق. وأما من زعم أنه قد قتل أو صلب فصريح القرآن يرد قوله ويبطله. وهكذا قول من قال إنه لم يرفع إلى السماء وإنما هاجر إلى كشمير وعاش فيها طويلا ومات فيها بموت طبيعي وأنه لا ينزل قبل الساعة وإنما يأتي مثيله فقوله ظاهر البطلان بل هو من أعظم الفرية على الله تعالى والكذب عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.