الثاني: ما يطلقه أكثر الناس الآن على التفلُّت الكامل بحيث يفعل الإنسان ما ترغب نفسه وتستطيبه شهوته، لا يلَّتفت إلى ما يحب الله ولا إلى ما يبغضه بل يبقى طليقا يفعل ما يشاء يزني ويشرب الخمر ويغني ويرقص، ويأكل المحرمات إلى ما لا نهاية. وهذا - وإن سماه الدعاة إليه تحررا - ليس بتحرر وإنما هو رق كامل لا لجهة واحدة وإنما لجهات متعددة: رق للشيطان ورق للنفس وشهواتها ورق لمن يملك من الناس تمكين الشخص من مراده وعدم تمكينه.
4- الإنسانية:
وللإنسانية أيضا مفهومان:
الأول: صحيح وهو: أن يعتقد أن البشر كلهم بنو الإنسان الأول الذي هو آدم عليه السلام ليس لأحدهم فضل على الآخر إلا بتقوى الله كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ومعنى هذا أنهم يتساوون في الحقوق والواجبات والتصرفات، لا يفيد أحدا منهم أحدا، ولا يحرم أحد شيئا على أحد، كما لا يحل شخص لآخر من عند نفسه، وإنما يصدر التحليل والتحريم والتقييد من مصدر واحد هو خالق الناس كلهم، وإذا كان التفاضل بين الناس لا يحصل إلا بالتقوى فلا منافاة بين كونهم يستوون في الانتساب إلى الإنسانية. وكثير من الأمور التي يطول ذكرها، وبين كون الذي اختص بالتقوى يفضل من لم يصبه منها نصيب فلا غرو أن يكون المسلم هو الحاكم المنفذ لشريعة الله على المؤمن والكافر معاً، وأن يكون الكافر صاغراً دافعاً للجزية لقاء أمنه على نفسه وماله وعرضه بين المسلمين.
أما المفهوم الثاني للإنسانية فهو ما تعارف عليه الناس في هذه الأيام، وهو المساواة المطلقة بين الناس مسلمهم ونصرانيهم ويهوديهم ووثنيهم، ذكرهم وأنثاهم، فليس لمسلم أن يجاهد كافراً ليدخل في الإسلام أو يدفع الجزية وهو صاغر لأنهم كلهم إخوة في الإنسانية.