إلا أنه في الغالب يكون بنوع من الأتساع والتجوز، ولذلك قال الجاحظ: وإنما الشعر صياغة، ولم يقل: وإنما الكلام صياغة؛ فإن الشعر كالعلم لما اتُّسع فيه وتجوّز من الكلام، وإلا فحقه التعميم كما فصله [71] الشيخ، حيث قال [72] : "ومعلوم أم سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة، وأن سبيل المعنى /ع 210أ/ الذي يعبر عنه سبيل الشيء [73] الذي يقع التصوير والصوغ فيه، كالفضة والذهب، يصاغ منها خاتم أو سوار " انتهى كلامه [74] .
ومراد صاحب المفتاح من الصياغة حيث قال [75] : وإذا تحققت أن علم المعاني والبيان هو معرفة خواص تراكيب الكلام. ومعرفة صياغات المعاني هذه الصياغة المستعارة لتصوير المعاني، ولذلك أضافها إليه [76] كما أن مراد الجاحظ أيضا هي ما نبه عليه الشيخ فيما نقلناه عنه سابقا.
وإذ قد وقفت على أن مراد الجاحظ من /س 98أ/ التصوير الذي عبر عنه بالصياغة، تصوير المعاني [77] بترتيبها الذهني، لا تصوير الألفاظ بتركيبها الخارجي، فقد عرفت أن من قال [78] في شرح القول المنقول عن صاحب المفتاح أولا [79] : يشبه تأليف الكلام بترتيب كلماته متناسبة الدلالات على حسب الأغراض المقصودة منه بصياغة الحلي [80] ، ومنه قول الجاحظ: أن الشعر صياغة وضرب من التصوير لم يصب [81] في قوله.
ومنه قول الجاحظ: وإذا تحققت أن الصياغة المستعملة في عرف أهل هذه الصناعة تستعمل تارة لما في نظم الكلام
وتأليفه من أحداث الهيئة، وأخرى [82] لما في معنى [83] الكلام وترتيبه من أحداث الصورة [84] . فاعلم [85] أنه لا دخل لعلم البيان في الصياغة بالمعنى الأول؛ فإن علم المعاني مستقل [86] في بيان ما يتعلق بها، وكذا الحال في الصياغة