ولذلك حرم الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الخلوة بالأجنبية وقد جاء في الخبر "ما خلا رجل بامرأة، يعني أجنبية، إلا كان الشيطان ثالثهما"، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول على المغيبات - يعني النساء اللاتي أزواجهن غائبون - وسئل عن الحمو، وهو أخو البعل، هل يغتفر دخوله على زوجة أخيه وخلوته بها؟، فقال صلى الله عليه وسلم: "الحمو الموت" يريد أنه شر من البعيدة في الخلوة، ونهى صلى الله عليه وسلم أن تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذي محرم، كل ذلك كان منه محافظة على العرض والنسب والدين، وصلاح ذات البين، وصيانة لحقوق الرحم، أما نظر المتخاطبين كل منهما الآخر في غير خلوة ولا ريبة فلا بد منه، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وقولهم: إن الزواج السعيد أساسه الحب، فيه نظر فإن الحب على أنواع، منه: حب الشهوة كحب الطعام والشراب وركوب الخيل، وما أشبه ذلك, فهذا الحب هو في الحقيقة ألم يحز في النفس، ويعظم بفقد المسكن، وهو قضاء الغرض من المطلوب فإذا ظفر صاحبه بمطلوبه سكن ألمه وضعفت رغبته في ذلك المطلوب، وصار ينظر إليه بعين غير العين التي كان ينظر إليه بها عند فقده، وقد تستمر هذه الرغبة في الضعف حتى تنعدم، والدليل على ذلك أن كثيرا من الناس كانوا يعشقون نساء، وبذلوا في سبيل التزوج بهن كل ما يستطيعون بذله، فلما وصلوا إلى غرضهم لم يلبثوا أن ملوا أولئك النساء، ولم تبق لهن قيمة عندهم، لأنهم كانوا يحبونهن حب شهوة، فلما قضيت قضى معها الحب نحبه، وهذا عام في البشر: الشرقيين منهم والغربيين. وقد سئل بعض الأوروبيين: من تحب من النساء؟ فقال: أحب جميع النساء ما عدا زوجتي! فإن لم يزل ذلك الحب بالمرة، فإنه يضعف كثيرا جدا، فإذا اتفق أن المحبوب كان غليظ الطبع جافيا سيء الخلق كان ذلك أدعى إلى موت ذلك الحب بسرعة وربما انقلب بغضا وعداوة.