إن المتأمل في الوصية السابقة وهي الأمر بالإيفاء وتحري الكمال في أداء الحقوق وأخذها، قد يرى مناسبة للربط بين الوصيتين؛ وهي أن إيفاء الحقوق لا يقوم إلا على ركيزة أساسية في المجتمع المسلم، وهي مبدأ العدالة في الحقوق والواجبات، المتعلقة بسائر المعاملات التجارية وغيرها، لكنه خص المعاملات التجارية في الوصية السابقة، ثم أردف بالأمر بالعدل والتزام الإنصاف في المعاملات القولية، الشاملة للشهادات والأمور القضائية، وغيرها مما يتعلق بإظهار الحق وإشهاره بين أفراد المجتمع المسلم، مع قطع النظر عن أي مؤثر آخر يخرج عن التزام المنهج السوي في الجهر بالحق وإيصاله إلى ذويه، حتى ولو كان من المؤثرات رابطة النسب أو وشائج القربى فليس لها وزن في مقابل الإنصاف والتخلق بهذه الخلة العالية الرفيعة. وفي نظري أن الوصيتين هنا من باب عطف العام على الخاص.
البحث اللغوي:
العدل: ما قام في النفس أنه مستقيم. وهو ضد الجور. وفي أسماء الله عز وجل العدل؛ وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدر سمي به، فوضع موضع العادل، وهو أبلغ منه، لأنه جعل المسمى نفسه عدلا. والعدل: الحكم بالحق، يقال: هو يقضي بالحق ويعدل، وهو حكم عادل، ذو معدلة في حكمه [45] .
القربى: القرابة والقربى: الدنو في النسب، والقربى في الرحم، وفي التنزيل العزيز: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [46] وأقارب الرجل، وأقربوه؛ عشيرته الأدنون. وفي التنزيل العزيز: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [47] وجاء في التفسير أنه لما نزلت [48] هذه الآية صعد الصفا، ونادى الأقرب فالأقرب، فخذاً فخذاً [49] .
الإيضاح