وقوله عز وجل: {بِالْقِسْطِ} (الرحمن: من الآية9) فيه لفتة هامة إلى أن الإيفاء لا يكفي أن يكون من طرف واحد بل لابد أن يكون من الجانبين في حالة الأخذ والإعطاء. أي أوفوا مقسطين أو ملابسين للقسط متحرين له، فدل على أنه يجب على الإنسان أن يرضى لغيره ما يرضى لنفسه وهذا ما قررته السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم إذ ثبت عنه أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" [36] . وقد تواتر الأمر بإيفاء الكيل والميزان وكل كلام الله عز وجل متواتر فقال: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [37] وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [38] . ومن يتأمل كتاب الله عز وجل يجد أن الله عز وجل قد قص على هذه الأمة فيما قص من أنباء الأمم لتحصل لنا العبرة ويكمل الوعظ بما حدث لتلك الأمم ومن ذلك أنه عز وجل أهلك قوم شعيب ودمر مساكنهم وأبادهم بما كان من ظلمهم وفسادهم، وكان أمره عز وجل جزاء وفاقا لتكبرهم وعنادهم، طففوا الكيل وعموا وصموا عن سماع الحق فكان عاقبة ذلك الخسران المبين ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، بلى إنهم موقوفون وعلى أعمالهم محاسبون ومجزيون الجزاء الأوفى. وحينما يتأمل الناظر في هذه الآيات قد يظهر له أن إيفاء الكيل والميزان هو القسط عينه فيتساءل عن فائدة هذا التكرار. والجواب عن ذلك أن في هذا التعبير لفتة ظريفة وهي أن يعلم المعطي أن الواجب عليه أن يؤدي الحق لصاحبه كاملاً غير منقوص، فلا يطمع في استبقاء شيء منه وإن قل، وليعلم الآخذ أن له أن يأخذ حقه كاملاً من غير طمع في الزيادة وإن قلت وهذا عين القسط وتمام الإيفاء [39] .

قوله تعالى: {لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [40] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015