ولعل ما ذهب إليه الرجلان من دلالة الأصل أو التركيب هو أول وأوضح ما وصل إليه المتقدمون على طريق تحديد دلالة المادة اللغوية، غير أن رؤيتهما لم تكن من الدقة والاكتمال بحيث ترتقي إلى مستوى الرؤية الحديثة، ولا عجب، فالحكم على الماضي بمعايير الحاضر أمر لا يصح بحال، كما أن في المستوى العلمي لعصرهما ما يكفي عذراً لهما. وهل يبدأ البنيان إلا من أسفل؟.
إن كثيراً من الدلالات التي أورداها لهذا الأصل أو ذاك مما قالا بتباينها واختلافها- هي في الحقيقة دلالة واحدة، ولكن نظرتهما إلى الدلالات المتباينة كانت تتم من زوايا مختلفة، وإن نظرة شموليةً للمعاني المختلفة لتقفنا على دلالة واحدة للمادة الواحدة، تجمع بينها كقاسم مشترك. وذلك هو الأصل في علم الدلالة، غير أن المرء قد يجد بين المعاني ما يشير إلى تباين، كأن يشير إلى وقوع أحدها على ما هو معنويّ، وآخرهما على ما هو ماديّ، فيصعب التوجيه إلا بتوسيع دائرة النظر، والتَّبصًّر في العلاقات الكامنة بين هذا وذاك.
ونورد في ما يأتي أمثلة تعكس الاختلاف في دلالة المادة الواحدة، ثم نعود لنبين أثر الاختلاف في الزاوية التي كان منها النظر في اختلاف الدلالة، ونخلص من ذلك بما يؤكد وحدة الدلالة للمادة الواحدة.
جاء في معجم المقاييس "فضح"قول ابن فارس: الفاء والضاد والحاء كلمتان متقاربتان تدل إحداهما على انكشاف شيء، ولا يكاد يقال إلا في قبيح، والأخرى تدل على لون غير حسن أيضاً، فالأول قولهم: فضح الضبح وفضَّح إذا بدا، ثم يقولون في التَّهتُّك: الفضوح، قالوا: وافتضح الرجل إذا بدت مساويه. وأما اللون، فيقولون: إن الفَضَح غُبْرةٌ في طُحْلةٍ [10] وهو لون قبيح، وأفضح البُسر [11] إذا بدتْ منه حُمْره".