أما صاحبانا: ابن فارس والصغاني، فقد تبنيا هذه الفكرة، وهذا التصور، ولم تكد تخلو من الإشارة إليهما مادة من مواد معجميهما، غير أن ثمة ما هو جدير بالملاحظة، ذلك أن ابن فارس كان يقدم الدلالة العامة للأصل. أما الصغانيّ فعلى العكس من ذلك، حيث كان يؤخرها ويذيل بها شروحه لمعاني المادة، ومشتقاتها.

وقد يورد ابن فارس الأصل اللغويّ دون ذكر كلمة "أصل"ولكنه يباشر التفسير والشرح، ومن ذلك قوله [3] في "أزف": الهمزة والزاء والفاء يدل على الدنو والمقاربة. يقال: أزف الرحيل، إذا اقترب ودنا- يريد الأصل وأزف.

وربما استخدم "كلمة"في موضع "الأصل"، ومن ذلك قوله في "بذل": الباء والذال واللام كلمة واحدة، وهو ترك صيانة الشيء. أما الشائع في معجمه فهو استخدام كلمة "الأصل".

وقد ينعت الكلمة والأصل بالتفرد أو الصحة أو غيرهما. ومن ذلك قوله السابق في "بذل"حيث نعت كلمة بـ "واحدة"، ومنه قوله [4] : الباء والغين والراء أصل واحد ... وفيه كلمات متقاربة في الشرب ومعناه، فالبغر أن يشرب الإنسان ولا يروى، وهو يصيب الإبل [5] أيضاً. وحكى بعضهم بُغرت الأرض، إذا لينها المطر [6] .

ونستخلص من الأمثلة السابقة أن ابن فارس عندما يقول "كلمة واحدة"يريد أنه ليس في العربية غيرها من ذلك الأصل. أما الأصل فهو ما يشتق منه لمعناه العام، ويتضمن عدداً من المفردات والكلمات. ومما يوضح مذهبه في مصطلح "الكلمة"قوله في مادة "بيظ": الباء والياء والظاء كلمة ما أعرفها في فصيح كلام العرب، ولو أنهم ذكروها ما كان لإثباتها وجه، قالوا: البيظ ماء الفحل!.

وربما نعت الأصل بأنه صحيح، ومن ذلك قوله: العين والفاء والقاف أصل صحيح ... ، يريد أنه مادة من مواد العربية، وإن لم يكن شائعاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015