ولما كان وجود الضمير في ألفاظ التوكيد لازماً فقد ردَّ قول الهروي عندما أعرب جميعاً على الحال في قولهم جاء القوم جميعاً وأعربها توكيداً في قولهم جاء القوم جميع. فقد أعرب جميعاً في المثال الثاني توكيداً مع خلوه من العائد فكان مردوداً.
وقريب من هذا قول الفراء والزمخشري في إعراب: "كلاَّ"توكيداً في قراءة بعضهم إنا كلا فيها [51] .. ونقف عند الآية الكريمة لنرى ما فيها من آراء. ثم نصل بعدها إلى رأي مرضٍ:
يرى الفراء والزمخشري وابن عطية أن "كلاَّ"توكيد والرابط محذوف فيكون التقدير إنا كلنا، ولعلهم استدلوا بقول الله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [52] ، وقد رد ابن مالك حذف الضمير استغناء [53] بنية الإضافة، كما أعرب النحاة كلمة {جَمِيعاً} في الآية حالاً.. قد منع الزمخشري [54] إعراب "كلاَّ"حال وقد تقدمت على عاملها الظرفي وهو كلمة فيها.
وهذا الذي منعه الزمخشري أجازه الأخفش وارتضاه ابن مالك.
يقول ابن مالك [55] : "والقول المرضي عندي. أن "كلاَّ"في القراءة المذكورة منصوب على أن الضمير المرفوع المنوي في "فيها" وفيها هو العامل وتقدمت الحال عليه مع عدم تصرفه كما قدمت في قراءة بعضهم: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [56] .
واختار أبو حيان وغيره من النحاة أن تعرب "كلاَّ"بدلاً من اسم إن. لأن كلا يتصرف فيها بالابتداء والنواسخ وغير ذلك. وإذا كانوا قد تأولوا حولاً أكتعاً، ويوماً أجمعاً، على البدل مع أنها لا يليان العوامل فأولى بذلك "كلاَّ"
وإذا كان اتجاه أبى حيان [57] في إعراب الآية أن تكون "كلاَّ"بدلاً فهي بدل من اسم إن وهو الضمير في إنا. وإبدال الظاهر ِمن ضمير الحاضر بدل كل جائز إذا كان مفيداً للإحاطة كقوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [58] وهنا لا نحتاج إلى ضمير لأن بدل الكل لا يحتاج إلى ضمير [59] ..