وقد مضى إعراب مثل هذا الاستفهام في الآية الخامسة من سورة الرعد وهى الآية الثانية من آيات استفهام (أإذا) في هذه الرسالة.
الآية الخامسة: في قوله تعالى: {وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً} الآيات: (66-70) من سورة مريم. تتضمن هذه الآيات الكريمة أن الإنسان الكافر ينكر أن يبعث حيّا من قبره بعد أن يموت.
وتتضمن أيضا توبيخ هذا الإنسان المنكر على عزوب التعقل والتدبر عنه، فهو لو تذكر وتفكر لأدرك أن الله الذي خلقه أوَل مرة من العدم المحض هيّن عليه أن يعيد خلقه بعد أن يصير ترابا.
وتتضمن أيضا مصير هؤلاء الناس المنكرين للبعث، فالله جل جلاله سوف يحشرهم يوم القيامة مع الشياطين أذلة جاثين على ركبهم حول جهنم، ثم ينزع من كل شيعة أيهم أشد عتوّا وتمّردا وتجبرّا فيقذفون في النار، ثم يتبعهم أتباعهم من بعد.
وقد جاء هذا الاستفهام: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} جاء مفيدا الإنكار والاستبعاد والتعجب، فقد أنكر الكافرون من الناس أن يبعثوا من قبورهم أحياء بعد أن يموتوا في هذه الدنيا، ورأوا ذلك بعيدا لا يمكن وعجيبا أن يكون.
وقد كان إنكارهم هذا بعيدا عن التعقل والتبصر، فالذي خلقهم أول مرة ولم يكونوا شيئا هيّن عليه أن يعيد خلقهم بعد أن صاروا عظاما ورفاتا، فليس في هذه الإعادة ما يدعو إلى استبعاد أو يثير شيئا من التعجب لو كانوا يعقلون.