لقد كان في هذه الخلائق العظيمة دلالات واضحة جلية على أن الذي اخترعها وأبدعها من العدم المحض قادر على أن يعيد الحياة إلى الناس جميعا بعد الممات.
فكان عجيبا كل العجب إنكار أناس أن يكون هناك حياة أخرى، وتكذيبهم أن يبعثوا بعد موتهم خلقا جديدا، مع أنهم يرون ويحسّون هذه الخلائق العظيمة الدالة على أن الله الذي خلقها قادر على كل شيء، ولكن من يكون أولئك الذين ينكرون البعث بعد موت؟! وماذا كان جزاؤهم عند الله جل جلاله؟!.
أولئك الذين كفروا بربهم !! وأيّ كفر أشنع من أن يكفر الإنسان بربه الذي هو خالقه ومولاه؟ !.
أولئك الذين أذلهم الله فجعل في أعناقهم الأغلال أغلال الهوان والصغار والاحتقار، أولئك أصحاب النار ليس لهم منها مفرّ، هم فيها خالدون لا يموتون ولا يخرجون.
وقد جاء هذا الاستفهام: {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} جاء مفيدا الإنكار والتكذيب والاستهزاء والاستبعاد والتعجب [4] ، مفيدا إنكار المشركين لأن يخلقوا مرة ثانية بعد الموت، وتكذيبهم بأن يبعثوا من قبورهم بعد أن صاروا ترابا في جوف الأرض، لقد سخروا من ذلك واستبعدوه وعجبوا أن يكون.
وإعراب هذا الاستفهام: {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} سهل واضح:
فإذا شرطية غير جازمة، وهي في محل نصب على الظرفية، والعامل فيها شرطها على نحو ما مرّ في الآية السابقة، وجوابها محذوف دل عليه أإنا لفي خلق جديد تقديره أنخلق خلقا جديداً، والهمزة الثانية مؤكدة للهمزة الأولى.
وذهب أبو حيان في تفسيره البحر المحيط [5] إلى أن (إذا) هنا متمحضة للظرفية، وتابعه على ذلك السمين في حاشية الفتوحات الإلهية [6] ، وهذا الذي قالاه يحتمل ولا يتحتم.