التخدير الجَماعي
بقلم الشيخ رمضان أبو العز
المدرس بكلية الشرية بالجامعة
في مكان ما من المعمورة كان يسكن شعب من الشعوب يقال له (الأرو) وكان يغلو في حاكمه إلى درجة (التقديس) وكان الأرو من الشعوب الرعوية وكان كأنما يعيش في عصر الفخار.
وذات يوم انطلق عجل كاد يقتله الظمأ إلى (زير) من الفخار به ماء فشرب وحينما أراد أن يخرج رأسه من الإناء عاقه قرناه فذهب فريق من الأرو إلى زعيمه الحاكم لحل المشكل فأشار عليهم بذبح العجل في الحال ولما نطق بالحل علا الهتاف بطول الحياة للزعيم على الحل السعيد. ولكن بعد الذبح تعذر إخراج الرأس أكثر من ذي قبل فعادوا إلى الزعيم لإيجاد الحل الأخير فأشار بكسر (زير) الفخار وعلا الهتاف مرة ثانية لا بطول البقاء فحسب بل بالخلود في الأبدية.
ولو كان طفل واع مكان هذا الشعب لفطن إلى أن الحل الذي اقترحه الزعيم هو أسوأ الحلول طرا لأنه لا عجلا أبقى ولا إناء سلم من التكسير بل كان الأولى كسر الزير فداء للعجل وبدلا من أن ينتقد الزعيم زادوا فيه غلوا وما ذلك إلا لأن هذا الشعب وأمثاله كثير قد وضعوا تحت تأثير تخدير روحي فلم يعودوا يعون إلا شيئا واحدا هو تقديس الزعيم وكلما مني بالفشل ازداد تعلقهم به وتقديسهم لآرائه.
ذلك أن الروح تسكر كما يسكر البدن وربما كان سكرها أشد إيغالا وأمعن ذهابا للعقل.
وما الخرافات والأساطير التي شاعت وفشت في كل من مصر القديمة وبابل وآشور والهند واليونان والرومان إلا مظاهر صارخة لهذا السكر الجماعي الذي امتد أمده أحقابا وآجالا قد تتجاوز آلاف السنين.
فما نسجته الهند حول كرشنا وبوذا، ومصر القديمة حول أوزيريس وإيزيس، واليونان حول جوبتر وفينوس، والرومان حول مارس وأدونيس، وسوريا القديمة حول بعل وعشتورات، والجاهلون حول اللات والعزى إن هي إلا أسماء سموها وخرافات لفقوها.