وفي المبتدأ ينبغي لي أن أثبت حقيقة ناصعة لا تقبل الشك ألا وهي أن ما ورد في القرآن الكريم من التاريخ حق لا ريب فيه. وآية ذلك أن القرآن كتاب عزيز: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} . فصلت:46. فلم يتصد للقرآن بالنقد والرفض في مطلع الدعوة الإسلامية إلا المشركون من أهل مكة الذين لم يؤمنوا بآيات الله سبحانه وتعالى وهي القرآن ومحمد - صلى الله عليه وسلم-، فقالوا إن محمدًا كان يتلقى القرآن من قين (حداد) نصراني كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل عليه [8] . علماً بأن ذلك النصراني كان أعجميا لا يعرف العربية أو على الأقل لا يجيدها وفي هذا الصدد يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} .النحل:103.

ولا نزاع في أن زعماء المشركين بمكة كانوا يعلمون أن ما جاء به النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - حق قال تعالى: {… فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .الأنعام: 33. فها هو أبو جهل- أحد صناديد قريش وسادتها- يقول قولته المشهورة حينما سئل عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فقال: "والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمد قط".

ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش!؟ " [9] . إذن فإن أبا جهل إنما كان ينطلق من منطلق النعرة الضيقة والتفاخر بين الأسر القرشية. فلم يعجب بعض القرشيين أن يكون من الهاشميين نبي يأتيه الوحي من السماء، وهم لا يدركون ذلك. فأقسموا بالله ألا يؤمنوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم - ولا يصدقوه [10] . هذا بالطبع أحد الأسباب الأخرى التي جعلت المشركين يقفون موقف العداء من الدعوة الإسلامية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015