وبذلك كله يعلم من قصد الشارع أنه لم يكل شيئا من التعبدات إلى آراء العباد فلم يبق إلا الوقوف عند ما حده في العبادات والزيادة عليه بدعة كما أن النقصان منه بدعة.

وثانيا أن الاستحسان أيضا مظنة شبهة لمن أراد أن يبتدع فقد يقول: "إن استحسنت كذا وكذا ففلان من العلماء قد استحسن".

لذلك كان لزاما من بيان معنى الاستحسان عند من اعتبره في الأحكام من أهل العلم حتى لا يغتر به جاهل ولا يحتج به مبتدع.

فنقول: قد اعتبر الاستحسان الإمامان: أبو حنيفة ومالك رحمهما الله والذي يُستقرى من مذهبهما أن مرجع الاستحسان هو العمل بأقوى الدليلين كما قال ابن العربي المالكي ويشعر به قول الكرخي من الحنفية حيث يقول: "إن الاستحسان هو العدول عن الحكم في المسألة بحكم نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى".

وعرفه ابن العربي فقال: "إنه إيثار ترك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخص لمعارضته ما يعارض به في بعض مقتضياته".

وقسمه إلى عدة أقسام وذكر منها: ترك الدليل للعرف وتركه للمصلحة وتركه في اليسير لرفع المشقة ومثل لذلك.

وعرفه ابن رشد المالكي بقوله: "الاستحسان طرح للقياس وعدول عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم يختص ذلك الموضع". والاستحسان على هذه التعريفات ليس بخارج عن الأدلة. والأدلة يقيد بعضها ويخصص بعضها بعضاً.

فلا حجة في الاستحسان لمبتدع ولا يمكن أن يتمسك به من أراد أن يستحسن بغير دليل أصلا.

وأما تعلق أهل البدع بالاستحسان على قول من عرفه بأنه: "ما يستحسنه المجتهد بعقله ويميل إليه برأيه أو أنه: دليل ينقدح في نفس المجتهد ولا تساعده العبارة عنه ولا يقدر على إظهاره".

فلم يعرف التعبد بذلك لا بضرورة ولا بنظر ولا بدليل من الشرع قاطع ولا مظنون. والاستحسان بهذا المعنى مصداق قول الإمام الشافعي رحمه الله: "من استحسن فقد شرع".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015