فإنه قد يكون في مسائل الاختلاف اعتقاد وجوب بغض المخالف في تلك المسألة أو تفسيقه، أو لعنه وتكفيره، أو قتاله، ويكون ذلك في حق المبغض المفسق أو المكفر المقاتل بلاء ومحنة وفتنة، كما هو حال البغاة المتأولين، مع أهل الحق والعدل من أهل الأمر والنهى أو أهل العلم والعمل، يعني الأمراء والعلماء والعباد.
ولكن الاجتهاد السائغ لا يبلغ له مبلغ الفتنة والفرقة، إلا مع البغي والعدوان، ولهذا قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [24] . وذكر هذا تعالى في آيات أخر، كقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [25] . وقوله تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [26] . فبين تعالى أن الاختلاف الموجب للفتنة والفرقة إنما هو بغي، وعدوان، فلا تكون فتنة وفرقة مع الاختلاف السائغ في الشرع.
ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القتال في الفتنة، وصار هذا من أصول أهل السنة التي تذكر في العقائد لأهميته.
وان كان بعض العلماء يرى إذا كانت إحدى الطائفتين لديها العلم التام بأحكام الشرع، والأخرى باغية أنه يجب القتال مع الطائفة العادلة العالمة وحكموا بأن الأصوب القتال مع علي بن أبي طالب في قتال الفتنة، وأن ذلك أولى من اعتزال القتال.