وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [19]
فأخبر تعالى عن اتفاق الناس في الأصل، وأنهم كانوا جماعة متحدة، ثم اختلفوا.
وهذا الاختلاف في الدين، هو الاختلاف الذي يكون به تضليل بعضهم بعضا ومعاداة بعضهم لبعض، ثم بعد ذلك يكون القتال وشدة التفرق.
وقد بعث الله تعالى إلى العباد النبيين مبشرين من أطاعهم واجتمع على الهدى الذي جاءوا به، بالسعادة والسيادة، ومنذرين من عصاهم, بالعذاب في الآخرة والعقوبة في الدنيا، بما ينغص عليهم حياتهم، أو يهلكهم بعذاب متصل بعذاب الآخرة.
ولما كان عقل الإنسان وفكره قاصرا عن الوصول إلى كل ما فيه مصلحته، وهدايته من العدل في حقه وحق غيره، ولتفاوت عقول الناس، وإدراكا تهم، فلابد من اختلافهم، مع ما فيهم من النقص، لذلك أنزل الله الكتاب ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه من العلم والاعتقاد، والعمل والحكم.
لأن الاختلاف إما أن يكون في الأقوال، كاختلاف الفقهاء الذين يتكلمون في مسائل العلم، ولا يدعون إلى أقوال مبتدعة فهؤلاء أهل اجتهاد، إذا أخطأوا فخطأهم مغفور، وهم مثابون على اجتهادهم.