ولكي يأمن التاجر على نفسه وما معه إذا كان يجتاز الصحراء، عليه أن يدفع الإتاوات على طول الطريق الذي يمر به، فالتاجر الذي يجيء من البحرين مثلا يدفع قبل أن تطأ رجله العقير إتاوة للعجمان، ومن العقير إلى النخل خمسة أميال، أتاوة للمناصير، وكذلك أم الذر وبني هاجر ...

وإذا فاز التاجر بحياته وبقى شيء في كيسه فمن المؤكد أن أحماله لا تصل كلها إلى المكان الذي يريده. وكان في عهد الترك إذا خرج العسكر لتأديب جماعة من هؤلاء البدو، يطاردهم البدو، فيغلبونهم، ويأخذون خيلهم وثيابهم، ويرجعونهم إلى مكان إقامتهم حفاة عراة.

والأدهى والأمر ما كان يصنع بحجاج بيت الله الحرام، كانوا عرضة للسلب والنهب والقتل، وكان الحجاج يخرجون من بلادهم، ولا أمل لهم في العودة، وقد حملوا معهم أكفانهم، فكانوا في جهاد وقتال مع أهل البادية الذين يأخذون منهم ما يطلبون، ولم يكونوا يكتفون بما أخذوا بل كانوا يغيرون على مؤخرات القوافل يسلبون ويقتلون، ولا أحد يستطيع أن يغير شيئا مما كان يحدث.

حتى أرض الحجاز لم تسلم من بطش أهل البادية في معظم جهاتها، والعلة في ذلك أن حكام الحجاز لم يكونوا على كثير من الحكمة والسياسة التي تلائم العرف عند القبائل، أو لم يكونوا متفرغين للأمن، ولم يكن يجدي ما يدفعون من أموال، فقد كانت القبائل تأخذ الأموال، ولا تمتنع عن السلب والنهب، ولم يخطر على بال أحد منهم أن يحكم الشريعة الإسلامية، لذلك فإن الفوضى الأمنية قد عمت جل البلاد، فمثلا طرق المدينة المنورة لم يكن في الاستطاعة أن يقام فيها الأمن وأن يستتب، فكانت مسرحا لحوادث جسام، فالقبائل تعتدي على الحجاج، وتسلب ما معهم، وقد تفرض عليهم إتاوات كبيرة.

يقول الصحفي المصري محمود أبو الفتح- رحمه الله- في صحيفة الأهرام عام 1930 م:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015