قال شعبة: "فرحلت إلى المدينة فلقيت سعد بن إبراهيم، فسألته, فقال: "الحديث من عندكم لزياد بن مخراق حدثني", قال شعبة: "فلما ذكر زياداً قلت: أي شيء هذا الحديث بينما هو كوفي إذ صار مدنياً إذ صار بصرياً قال: "فرحلت إلى البصرة فلقيت زياد بن مخراق فسألته؟ "فقال: "ليس هو من يأتيك "قلت: "حدثني به "قال: "لا ترده"قلت: "حدثني به"قال: "حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم", قال شعبة: "فلما ذكر شهر بن حوشب قلت: دمّر على هذا الحديث لو صح لي مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبّ إليّ من أهلي ومالي والناس أجمعين" [7] .
على أيّ شيء تدل مثل هذه الرحلات الطويلة الشاقة من أجل حديث واحد, ألا تدل على إيمان صادق وحب صادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وهديه ومعرفة بمكانتها, وأنهم قوم يعرفون القيم الحقيقية للأشياء, وأن حديثا واحداً عندهم خير من الدنيا وما عليها لهذا استحقوا أن يعزهم الله وأن يبوّأهم سنام المجد والعز والتمكين.
سمعوا قول الله: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} . وسمعوا قول رسول الله: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى منها كافراَ شربة ماء".
وسمعوا قوله: "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها".
وسمعوا قوله: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها".
فهانت الدنيا وصغرت في أعينهم وعظم أمر الإسلام والقرآن والرسول وسنته في أعينهم, ونحن على النقيض صغرت هذه الأمور الكبيرة العظيمة في أعيننا وكبرت الدنيا وشهواتها وملاذها في أعيننا وصرنا نركض ونلهث لتخفيف أكبر متاع منها.