لقد أحدث هذا القرآن المعجز أكثر تحوّل في حياة البشر فقلّب طباع الكهول والشباب وأخلاقهم وتقاليدهم وعاداتهم وحوّلها إلى ضدها علماً وعملاً بما لم يعهد له نظير في تاريخ الإنسانية.
فكان القران آية خارقة للمعهود من سنن الاجتماع البشري في تأثيره بالتبع لكونه آية معجزة للبشر في لغته وأسلوبه.
وبعد أن قلّب حياة العرب في الجزيرة العربية من جهل إلى علم ومن شرك إلى توحيد ومن فرقة وفوضى إلى اجتماع وتنظيم اندفعوا كالسيل الآتي على الأقطار من نواحي الجزيرة كلها فأطاحوا بعروش الأكاسرة والقياصرة أعظم ملوك الأرض واقتلعوا جذور الشرك والظلم ونشروا التوحيد والحق والعدل ودخل الناس في دين الله أفواجا مختارين الاهتداء بهذا القرآن, لاجرم أن سبب هذا كله هو تأثير القرآن العظيم بهذا الأسلوب الذي نراه في المصحف فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يجاهد به الكافرين كما أمره {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} ثم كان يربي المؤمنين ويزكيهم, وبهدايته والتأسي بمبلّغه ربّوا الأمم وهذبوها وقلما يقرؤه أحد كما كانوا يقرءون إلا ويهتدي به كما كانوا يهتدون, ثم حكموا الدنيا وساسوها بهذا القرآن إذ لم يكن عندهم شيء من العلم بسياسة الأمم وإدارتها إلا هذا القرآن والأسوة الحسنة بمبلغه ومنفذه الأول وبسنته المطهرة أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم, ولن يعود للمسلمين مجدَهم وعزّهم إلا إذا عادوا إلى هدايته. لقد كان لهذا القرآن العظيم في حياة الناس مسلمهم وكافرهم تأثير بعيد الغور, أما تأثيره في الكافرين فبنفوذ بلاغته، وعظمة نظمه, وأسلوبه الجاذب لفهم دعوته والإيمان به, إذ لا يخفي حسنها على أحد فهمها, وكانوا يتفاوتون في الفهم تفاوتا عظيماً لاختلاف درجاتهم في بلاغة اللغة وفهم المعاني العالية, فهذا التأثير هو الذي أنطق الوليد بن المغيرة المخزومي بكلمته