لقد كنا قبل اليوم نملك لأنفسنا شخصية متميزة في كل مجالات الحياة وكنا أمة قائدة معلمة، أمة بناءة، معطية غازية وسيدة، أمة أنارت العقول والقلوب، وقادت الجماعات البشرية الضالة والجاهلة إلى ما فيه خيرها وصلاحها في الدينا والآخرة.
وذلك لأننا كنا نملك في كل مجالات حياتنا مصابيح ساطعة الضياء تنير لنا ولغير نا طرق الهدى والتقدم، قد كنا سمحاء، رحاب الصدور أيضا، نقتبس من غيرنا ما كان ينقصنا من معارف الدنيا، نستفيدها من غير تضايق أو تحجر، ثم لا نحبسها ولا نبخل بها أيضا، يعرف ذلك عنا الشرق والغرب، فكم من معارف وعلوم نقلناها من القدماء وأدينا أمانتها إلى الأجيال القادمة بدقة وأمانة، من غير أن يؤثر اقتباسنا واستفادتنا هذه على مقومات حياتنا أو يرزأ مقدسات تراثنا أو يغير من طرازنا بل إنما كان موقفنا من كل ثروة إنسانية أو سماوية رفيعة أن نستفيد من أصل لبابها، وننقلها إلى غيرنا بأمانة وكرامة، دون أن نذوب تحت شمس أي حضارة أو ثقافة، نجدها في حظيرة الحضارات والثقافات، بخلاف ما أصبحنا اليوم وصرنا إليه من التهافت والذوبان أمام الحضارة التائهة الأوروبية، لقد تهافتنا أمام هذه الحضارة المغرورة الفاسقة كل التهافت، وجعلنا أنفسنا من أذنابها، ومن السائرين وراء ركبها متقنعين بما ترميه إلينا مصحوبا بشعور الاحتقار والمقت من فتات مائدتها، صابرين على أذى المن والإهانة منها.
إنها أسوأ حالة مرت على العالمين العربي والإسلامي جميعا، كان يجب علينا أن نتقزز من أهونها وأدناها تقززا، لو كان فينا قليل من الحياء والإيمان.