ونفوا أن تقوم به تعالى الصفات الاختيارية مثل الاستواء والنزول والغضب والرضى ونحوها مما يتعلق بإرادته وقدرته فرارا من أن يلزم به سبحانه قيام الحوادث.
والجواب عن قولهم "ليس الرب تعالى محلا للحوادث"أن هذا لفظ مجمل لا يقبل على إطلاقه بل يفسر ويفصل كآلاتي:
فإن أريد بهذا النفي المجمل: أن الله تعالى ليس محلا للحوادث أي ليس داخل ذاته المقدسة شيء من المخلوقات المحدثة فهذا حق.
أو أريد بذلك نفي تجدد وحدوث صفاته فهو أيضاً حق لأن صفاته تعالى قديمة أزلية إذ هي صفات كمال وفقدها عيب ونقص لا يليق بالإله جل جلاله.
وإن أريد بهذا النفي المجمل "وهو مراد النفاة "نفي وإنكار ما وصف الله تعالى به نفسه وما وصفه رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو نفي مردود على قائله لأن المؤمن لا يخطر بباله أن الله تعالى قد يصف نفسه أو يصفه أعلم الخلق بالله وهو الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكلام يكون ظاهره كفرا يجب تأويل ذلك.
بل جميع ما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- صفات كمال ظواهرها تليق بجلال الله تعالى تختلف عن الظواهر المشاهدة عند المخلوق كما تختلف ذاته عن ذواتهم. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
وأول ما ظهر إنكار أن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت في عهد أبي العباس المأمون بن هارون الرشيد الخليفة العباسي, وذلك أن نفاة الصفات من معتزلة وغيرهم قبل ذلك كانوا أذلاء مهانين فلما أدخلوا المأمون في مذهبهم وتأثر بآرائهم ظهر أمرهم ورفعوا رؤوسهم فعظمت الفتنة والمحنة وثبّت الله أهل الإيمان وورثة الأنبياء على ما ورثوا من الحق والقول الثابت, وعلم الناس سوء مذهب النفاة ومَا فيه من تعطيل الرب تعالى من صفات الكمال من الكلام وغيره, ظهر في ذلك الوقت رجل هو: أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري المتوفى بعد سنة (240) للهجرة بقليل.