ولعل القارئ قد لمح من هذه الكلمات أن التواكل غير التوكل، وأن ترك الأسباب معصية لله تعالى وفسق عن أمره، وتفص من النظام الذي وضعه للكون وربط به الحياة. كما أن الاعتماد على الأسباب وتجاهل الحقيقة فيها وأنها ليست هي الخالقة المنتجة، وإنما الخالق هو الله متى شاء أثمرت، ومتى لم يشأ لها ذلك لم تثمر، فجهل هذه الحقيقة شرك في ربوبية الله وهو أقبح الصفات وأسوأ أنواع الشرك والكفر والعياذ بالله.

ومن علامات كفر المؤمنين بالأسباب، الكافرين بالخالق بها والمسبب لها، أنهم يحرصون على إعدادها وإحضارها حرصا يعصون معه الله الذي سخرها لهم ووفقهم لإتيانها، فيترك أحدهم الصلاة، أو يترك حج بيت الله، أو يتعامل بالربا، أو يتعاطى الخنا، أو يمنع الحقوق الواجبة، أو يظلم غيره ويتعدى على سواه حرصا منه على أسباب النجاح وتوفيرها حتى يصل إلى غايته ويفور ببغيته.

والذي ألفت النظر إليه هنا هو خفاء معنى التوكل على الناس، حتى أصبح الكثير لا يفرق بين التوكل الذي هو أخص صفات المؤمن، وأقوى دعائم الإيمان، وبين التواكل الذي هو الجبن والمهانة والضعف.

وقد سرى هذا الجهل بالتوكل في المسلمين أزمنة طويلة حتى صار عدوهم الذي مكنوه من رقابهم في شتى ديارهم وأقطارهم يعيبهم بالتوكل، وينسب كل ضعف فيهم إلى عقيدتهم وحتى انخدع له الكثير فتفصوا من الإسلام، وخرجوا من الدين! وهذه إحدى نتائج جهل الأمة بأصول دينها، وحقائق شريعتها، وساءت الحال اليوم بين المسلمين أكثر، فبعض آمن بالأسباب وكفر بالله مسببها، فجرى وراءها يعدها ويحضرها غير مبال بالمأذون فيه المشروع منها، وغير المأذون ولا المشروع، فعبد الأسباب وأطاعها، وتمرد على الله وعصاه، وبعض كفر بالأسباب وتجاهلها وقعد عن إحضارها وإعدادها ومنى نفسه بأنه المتوكل على الله. وسدر في غيه وجهله حتى فاتته قافلة الحياة ولم يؤب بأكثر من ضياع الحياة، وسخط الله، إذ تجاهل أمر الله وعصاه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015