وكثيرا ما تجد في كتب الجرح والتعديل- ومنها لسان الميزان للحافظ ابن حجر- قولهم عن الرجل أنه وافق المعتزلة في أشياء من مصنفاته أو وافق الخوارج في بعض أقوالهم وهكذا ومع هذا لا يعتبرونه معتزليا أو خارجيا، وهذا المنهج إذا طبقناه على الحافظ وعلى النووي وأمثالهما لم يصح اعتبارهم أشاعرة وإنما يقال: "وافقوا الأشاعرة في أشياء"، مع ضرورة بيان هذه الأشياء واستدراكاتها عليهم حتى يمكن الاستفادة من كتبهم بلا توجس نما موضوعات العقيدة.
خامسا: قال فضيلة الشيخ الفوزان عن الأشاعرة: "نعم هم من أهل السنة والجماعة في بقية أبواب الإيمان والعقيدة وليسوا منهم في باب الصفات".
وهذا سبق قلم من فضيلته ومثل هذه الدعوى هي التي يهش لها الأشاعرة المعاصرون ويروِّجونها؛ لأنه إذا كان الفارق هو الصفات فقط قالوا: إن الخلاف فيها أصله الاجتهاد والكل يتفقون على التنزيه فكأنه لا خلاف إذن ... وربما قالوا: نحن مستعدون أن نثبت لله يداً وعيناً وسائر الصفات في سبيل توحيد الصف ووحدة الكلمة!!!
وليكن معلوما أن ابتداء أمر الأشاعرة أنهم توسلوا إلى أهل السنة أن يكفوا عن هجرهم وتبديعهم وتضليلهم وقالوا: "نحن معكم ندافع عن الدين وننازل الملحدين"، فاغتر بهذا بعض علماء أهل السنة وسكتوا عنهم فتمكّن الأشاعرة في الأمة ثم في النهاية استطالوا على أولئك واستأثروا بهذا الاسم دون أهله، وأصبحوا هم يضللون أهل السنة ويضطهدونهم ويلقبونهم بأشنع الألقاب. فحتى لا تتكرر هذه المشكلة وإحقاقا للحق رأيت من واجبي أن أسهم بتفصيل مذهب الأشاعرة في كل أبواب العقيدة ليتضح أنهم على منهج فكري مستقل في كل الأبواب والأصول، ويختلفون مع أهل السنة والجماعة من أول مصدر التلقِّي حتى آخر السمعيات ماعدا قضية واحدة فقط.