وقس على هذا نظرية الكسب والكلام النفسي ونفي التأثير وأشباهها مما سترى في عقائد الأشاعرة على أن الموضوع الذي يجب التنبيه إليه هو التفريق بين متكلمي الأشاعرة كالرازى والآمدي والشهرستاني والبغدادي والإيجي ونحوهم, وبين من تأثر بمذهبهم عن حسن نية واجتهاد أو متابعة خاطئة أو جهل بعلم الكلام أو لاعتقاده أنه لا تعارض بين ما أخذ منهم وبين النصوص, ومن هذا القسم أكثر الأفاضل الذين يحتج بذكرهم الصابوني وغيره وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر- رحمه الله -.
ولست أشك أن الموضوع يحتاج لبسط وإيضاح ومع هذا فإنني أقدِّم للقراء لمحة موجزة عن موقف ابن حجر من الأشاعرة:
وقد ترجم الحافظ الذهبي- رحمه الله - في الميزان وغيره للرازي والآمدي بما هم أهله، ثم جاء ابن السبكي- ذلك الأشعري المتعصب - فتعقّبه وعنّف عليه ظلما. ثم جاء ابن حجر- رحمه الله - فألف لسان الميزان فترجم لهما بطبيعة الحال- ناقلا كلام ابن السبكي ونقده للذهبي - ولم يكن يخفى عليه مكانتهما وإمامتهما في المذهب كما ذكر طرفاً من شنائع الأرموي ضمن ترجمة الرازي.
فإذا كان موقف ابن حجر لأن موقفه هو الذي يحدد انتماءه لفكر هؤلاء القوم أو عدمه؟ إن الذي يقرأ ترجمتيهما في اللسان لا يمكن أن يقول إن ابن حجر على مذهبهِما أبدا, كيف وقد أورد نقولاً كثيرة موثقة عن ضلالهما وشنائعهما التي لا يقرها أيّ مسلم فضلاً عمّن هو في علم الحافظ وفضله؟.
على أنه قال في آخر ترجمة الرازي "أوصى بوصية تدل على أنه حسّن اعتقاده".
وهذه العبارة التي قد يفهم منها أنها متعاطفة مع الرازي ضد مهاجميه هي شاهد لما نقول نحن هنا, فإن وصية الرازي التي نقلها ابن السبكي نفسه صريحة في رجوعه إلى مذهب السلف.
فبعد هذا نسأل:
أكان ابن حجر يعتقد أو يؤيد عقيدة الرازي التي في كتبه أم عقيدته التي في وصيته؟ الإجابة واضحة من عبارته نفسها.
هذه واحدة.