لقد رأى حوادث جساماً، وهو صغير، رأى الأعداء على أبواب عاصمة الآباء والأجداد، وشاهدهم وهم يحاولون الاستيلاء على الرياض وما حولها، ثم استسلم للبيداء بقسوتها وبحرّها وبردها، حتى انتهى به المطاف إلى الكويت, وفي الكويت عرف الكثير عن أمرائها وعلمائها، كان يجلس صامتا، ويسمع أكثر مما يتكلم، وكان ما يسمعه ويقرؤه ويتعلمه يلقى به في بئر آماله وأحلامه العريضة ويضطرب كل ذلك في بحر لجي تتدافقه الأمواج العالية، التي تصل به إلى قمة التفكير ألا وهو كيف يخلص بلاده الغالية من يد الغاصبين.
لقد ذهب إلى الرياض مسقط رأسه، ومحط آماله، وملعب طفولته غازياً، ومكث بها أربعة أشهر، لكنه تركها أمام مالا قبَل له به، فوقعة الصريف [1] وانتصار الأعداء بها، والهزيمة التي لحقت بجيش الشيخ مبارك كان لها أكبر الأثر في التأثير على مجريات الأحداث في ذلك الوقت.
ولقد مرت الأيام، وبلغ عبد العزيز الواحدة والعشرين، وما تزال تراوده فكرة الرجوع إلى بلده، فإما أن يعيش فيها، وإما أن يستشهد في سبيلها، لقد اختمرت في ذهنه فكرة استرداد الحق المغتصب، والمُلك الذي سلب، ونُهِب قسراً عن أهله، والذي لا يُسْتَطاع بغيره أن يُمْتَلك الزمام، فتقام حدود الله، وتطبق أسس الدعوة التي كاد يقضى عليها، إلا من أنفس ما تزال تعض عليها بالنواجذ، ثم أقسم ليستردنّ مجد آبائه وأجداده، ولينشرنّ الدعوة لربه جل وعلا، كما قام بها أجداده الأوائل.
ثم كاشف بما جال في خاطره الأصفياء من ذويه، وأقاربه الشباب، فوافقوه على ما دعا إليه، وذهب إلى والده الإمام، واستأذنه في السفر، بعد أن بين له الدافع الشديد الذي دعاه إلى ذلك فإيمانه القوي بنصر الله، وتوكله عليه، واطمئنان قلبه إلى توفيقه تعالى، جعله متأكداً من عون الله، وشد أزره له.