أولهما: قصة أبي لهب، وأبو لهب بن عبد المطلب هو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لم تنفعه قرابته من الرسول لأنه لم يؤمن به، ولم يستجب لدعوته الإسلامية أي: لأنه لم يكن مسلماً، وقد أنزل الله تعالى في ذمه سورة من القرآن تتلى إلى يوم القيامة، قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ, مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} إلخ السورة.
والمثال الثاني: في بلال بن رباح - رضي الله عنه -، وبلال بن رباح هو حبشي أي: إفريقي وقبل إسلامه كان مملوكا فأعتقه أبو بكر، وقد جعله الإسلام مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من أفضل الصحابة، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه سمع خشف نعلي بلال في الجنة" وقد قال عنه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا"يعني بذلك بلالا.
هذان مثالان على أن العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم أقوى من علاقة النسب أي: أقوى من علاقته بعمه أو بأخيه من النسب إذا لم يكن مسلما.
ذلك ما جاء به الإسلام، وما قرره، وأخذ به المسلمون الأوائل، وهذا ليس غريبا لأن رابطة الإسلام بين المسلمين رابطة روحية، وهي علوية سماوية، ورابطة القرابة بين الأقراب رابطة بدنية، والبدن من تراب فهي رابطة ترابية.
ولكن أيها الإخوة المسلمون: الشأن كل الشأن في أن يكون المسلم مسلما صحيح الإسلام، محققا للشروط التي يجب أن تتوفر في المسلم، لا أن يكتفي بأن يقول إني مسلم، ويظهر بمظهر المسلم ويقتصر على ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"…
فكون المرء مسلما يقتضي أن يتجنب ما نهى عنه الإسلام، ويأتي ما يستطيع أن يأتيه مما يأمر به الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه".