وربما كان مصدر هذا القلق ما علمه الرسول من أن المؤمنين في موقف دقيق، يتطلب منهم أن يقيموا التوازن العادل بين تعاليم الله ورغبات النفوس، فإن أي ترجيح للأهواء ينتهي إلى تغلب قيم الأرض على قيم السماء فكان عليه الصلاة والسلام ينبه إلى الأعراض الخطيرة التي تنشأ من ذلك في حياة المسلمين فقال: "ما نقض قوم عهد الله ورسوله إلا تسلط عليهم عدو من غيرهم، يأخذ بعض ما كان في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله، وتجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" [16] . ولا يعوزنا الدليل في حياتنا الحاضرة على صدق الخبر.
فلم كتب علينا أن نقاسي سريعاً مما صنعته أيدينا، وجلبناه على أنفسنا؟ ألسنا بمسلمين، ألسنا أحق الناس برحمة الله ورأفته؟
بلى، ولكن الله قال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [17] وإن الله قد وعد هؤلاء رفيع المنزلة، وسنى الجوائز وعالي المقامات وعظيم الثواب، ولكن ليس وعداً جزافاً، إن هو إلا جزاء الواجبات العظيمة والمهمات الشاقة التي كلف بها المؤمنين.
إننا نجد في شرع الله كله أن هؤلاء الذين حباهم ربهم بالفضل العظيم والمسؤولية الكبرى في موقف بالغ الدقة والحساسية، وإن أساءوا عوقبوا ضعفين، قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً, وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} [18] .
ذلك أن الله يجعل الثواب والعقاب مكافئاً لأحوال المكلف ومقدار التكليف، والإحسان أو الإساءة فيه.