ولكني - معذرة - إذا أطلقت اسم البطولة على صبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أظفر بكلمة أبلغ في الدلالة منها، فإن بطولة محمد والأنبياء عليهم السلام، ليست كبطولة الرجال الممتازين الأقوياء ليست كبطولة القياصرة والأباطرة، وقادة الجيوش من قيصر روما ونابليون إلى مونتغمري ورومل وغيرهم، فإن أمثال هؤلاء كانوا أبطالاً لأنفسهم. صفق لهم الناس لحظات، فما زالوا أو سقطوا لم يبق منهم إلا أشباح باهتة، ولم يبق من بطولاتهم إلا ذكرى كالصدى الضائع في مجاهيل الأرض، أما محمد صلى الله عليه وسلم فلم يكن بطلاً لنفسه، وإنما لخير الإنسانية وهداها، فما في بطولته صلف، ولا كبرياء، ولا طغيان ولا تمجيد لذاته بل كانت بطولته العدالة، والحق والإنصاف والتقوى. ولذلك ما زالت مواقف صبره وجهاده، تفيض من القيم الإنسانية البطولية، ولم تستطع العصور، ولن تستطيع أن تفقدها من جدارتها شيئاً.
وخير من كلمة البطولة اسم النبوة؛ فالنبوة فوق البطولة، وما بينهما، كما بين الأرض والسماء، ولأمر ما لقبه أحد كتاب الغرب "بطل الأبطال" [12] .
هـ - المسؤولية والعهد:
كان استبسال الرسل في نشر الدعوة، والتمكين، وفاء منهم بعهد الله، ذلك لأنهم قد واثقوا الله على الإخلاص له ومنح حياتهم كلها للرسالة قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} .
وعلى هذا لم يعرفوا لوجودهم معنى ولا غاية غير إنفاذ كلمة الله على أتم وجه وأصدق أداء وهذه المسؤولية في الحفاظ على الدين والاستمساك به ونشره في الأرض، تنتقل إلى المؤمنين من بعدهم قال تعالى بعد تلك الآية: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً} .