إن واقع امتنا - علي ما فيه من مظاهر اليقظة - واقع مؤلم. وقد يدعو إلى اليأس أحيانا؛ لأن مظاهر الحضارة التي تغمر بلادنا لا تعنى أننا أربابها، وإنما نحن من المستهلكين لنتاج هذه الحضارة.

ولو انقطع عنا مورد هذا النتاج لعدنا إلى تخلفنا السابق حتى في مظاهر هذه الحضارة لأننا ما دمنا بعيدين عن الإبداع وجاهلين مبادئ الإيجاد والصنع، فنحن عالة على غيرنا حتى ننتقل من هذه الحالة إلى حاله تمكننا من الاعتماد على أنفسنا عند الملمات.

ولإيضاح هذه الفكرة أورد مثلاً عليها: حالة ألمانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، فإن هذه البلاد قد تهدمت منشآتها ومصانعها وتضررت في مواردها واقتصادياتها، وحتى في أبنائها الشيء الكبير فهل ماتت هذه الأمة أم أنها عادت إلى الحياة أقوى مما كانت عليه من قبل؟

إن واقع القوة الألمانية يؤكد أنها استعادت مكانتها الأولى، وأنها تفوقت حتى على المتغلبين عليها في شتى الميادين العلمية إلا في النواحي الممنوعة عليها بحكم شروط المنتصر.

فلو أن هذه الأمة كانت صفراً من ناحية الإبداع الفني والتطبيق العلمي وكان جل أبنائها منصرفين إلى القيل والقال، وإلى إضاعة الوقت والمال في اللهو والعبث، وإلى قتل حيوية شعبها في التافه من الأمور، فهل كانت حققت منجزاتها العلمية الحالية؟

وكذلك أمة اليابان التي تسابق دول العالم في التقدم العلمي والصناعي، باستثناء ما هو محظور عليها، فهل تقهقرت لخسرانها الحرب العالمية الثانية وخضوعها للولايات المتحدة الأمريكية.

إن واقع الأمة اليابانية يؤكد أن مبدأ التفوق عندها هو الأصل حتى استطاعت أن تتغلب على الصعوبات العديدة التي اجتاحتها أثناء الحرب وبعدها بزمن قليل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015