وقد ختمت هذه الآية بقوله تعالى {أَفَلا تَعْقِلُونَ} وهو استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع، يخاطب الله سبحانه وتعالى به أحبار اليهود أولئك، وينكر عليهم انتفاء العقل عنهم وقبح إدراكهم وسوء تفكيرهم، ويوبخهم على ذلك ويقرع، إذ لو كان فيهم إدراك سليم وفهم مستقيم لمنعهم ذلك من قبح ما ارتكبوه من أمر غيرهم بالبر وإمساك أنفسهم عنه، فحالهم هذه حال من سلب عقله، لأن العاقل يسعى أولا إلى تحصيل الخير لنفسه، ثم بعد ذلك إلى تحصيل الخير لغيره.
الآية الثانية قوله تعالى {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} الآية (76) من سورة البقرة.
تبين هذه الآية الكريمة أن منافقي اليهود في المدينة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون للذين آمنوا إذا لاقوهم قد آمنا بما آمنتم به، ويذكرون لهم أن سبب إيمانهم ما وجدوه في التوراة من نعت النبي صلى الله عليه وسلم والتبشير به، وإذا خلا اليهود بعضهم إلى بعض بعيدا عن المؤمنين أخذ الفريق الذي لم يؤمن ولم ينافق ينكر على الفريق الآخر المنافق أن يحدثوا المؤمنين بأن التوراة قد ذكرت صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبشرت به، لأن عاقبة ذلك أن يكون للمؤمنين في هذا الحديث حجة عليهم عند ربهم، ثم يختمون إنكارهم قائلين لهم: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} وهو استفهام إنكار وتوبيخ: ينكرون عليهم عدم التعقل ويوبخونهم على غروب الفهم السليم عنهم فيما يزعمون، ويقرعونهم على انتفاء الإدراك القويم فيما يظنون، إذ لو كان لديهم بصر في الأمور وحسن إدراك للعواقب ما حدثوا ذلك الحديث الذي يكون حجة للمؤمنين على المنافقين عند الله يوم يقول الحساب.