(1) الشهادة في الفقه الإسلامي دليل كامل يثبت به جميع الحقوق سواء أكانت من حقوق الله الخالصة أومن حقوق العباد مهما كان القدر المدعي به، أما في القانون الوضعي فهي دليل احتياطي واستثنائي غير كامل، فلا يؤخذ بها كدليل إلا في حدود معينة (المواد 60 إلى 64 إثبات مصري) كما لا يثبتون بها كل دعوى مدنية إلا في حالات استثنائية كحالات فقد السند من صاحبه بقوة قاهرة من حريق أو غرق أو سرقة.
والواضح أن هدف القانونيين من ذلك هو الحد من شهادة الزور التي احترفها الكثيرون فأصبحوا حربا على العدالة. كما أن القانون قد جعل معوله في الإثبات على الكتابة والمحررات الرسمية.
ولاشك أن شهادة الزور من أكبر الكبائر في الشريعة الإسلامية، حذر منها المولى عز وجال ورسوله الكريم، يقول تعالى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (الحج: 30) وتضافرت الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم بمنعها وتحريمها وتأثيم مرتكبها.
ولذا فإننا نقول أن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تؤخذ بكامل منهجها التشريعي نظاماً وخلقاً، وإلا لما استطعنا أن نجني ثمرتها، أو نفيد من تطبيق قانونها الفائدة المرجوة، فالقانون وحده لا يكفل الأمن ولا يقيم العدل إلا إذا صحبته صحوة ضمير ممن يطبق القانون، وممن يسرى عليه القانون، وإلا لكان أشبه بجسد بلا روح، والشريعة الإسلامية بما تبذله من إصلاح للفرد؛ وما تقيمه من ضمير يقظ، يراقب الله عز وجل، تجعل من قلب كل فرد في المجتمع الإسلامي رقيباً عليه، فلا يقدم على قول أو فعل فيه غضب لله تعالى، فالقاضي بها يحكم ورائده رضا الله بإيصال الحق إلى أهله، والشاهد يشهد ورائده رضا الله بأداء الشهادة على وجهها، والخصم ينبغي أن لا يقصد بخصومته الجور والتعدي. وهكذا تندرج هذه المراقبة لله على كل فرد في المجتمع الإسلامي في أفعاله وأقواله وسلوكه.