نقده بقوله: أقللت جفانك وسيوفك (لأن الجفنات هي الجمع لأدنى العدد، أما الكثرة فتجمع على جفان، وكذلك الأسياف لأدنى العدد، والكثرة سيوف) وقلت: (يلمعن في الضحى) ولو قلت: يبرقن في الدجى لكان أبلغ، لأن الضيف في الليل أكثر، وقلت: (يقطرن من نجدة دما) فدللت على قلة القتل، ولو قلت: يجرين لكان أكثر لانصباب الدم.

ومنها ما روى أن أهل المدينة نقدوا شعر النابغة الذي وقع فيه (الإِقواء) [25] وهو قوله:

عجلان ذا زاد وغير مزود [26]

من آل مية رائح أو مغتد

وبذاك خبرنا الغراب الأسود [27]

زعم البوارح أن رحلتنا غداً

وقوله:

فتناولته واتقتنا باليد [28]

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

عنم يكاد من اللطاف يعقد [29]

بمخضب رخص كأن بنانه

ويروي أبو عمرو [30] بن العلاء أن الذبياني، لما قدم يثرب على الأوس والخزرج - وكان أهل الحجاز من المعجبين بشعره، وكانوا قد عرفوا الإِقواء في شعره- دسّوا له قينه (جاريه) تغنيه به، فغنته ومدت صوتها بالقوافي، فظهر الإختلاف في حركتها؛وتنبه النابغة لما جاء منها مضموماً، وهى مكسورة كلها، فأصلحه على الوجه الآتي:

وبذاك تنعاب الغراب الأسود

زعم البوارح أن رحلتنا غداً

عنم على أعضائه لم يعقد بمخضب رخص كأن بنانه

وقال: "قدمت الحجاز وفي شعري هنة، ورحلت عنه وأنا أشعر الناس" [31] .

ومنها نقد طرفة [32] بن العبد لقول المتلمس: [33]

بناج عليه الصيعرية مكدم [34]

وقد أتناسى الهم عند ادكاره

نقده بقوله: (استنوق الجمل) [35] يعني طرفة أن الشاعر قد وصف الجمل بما توصف به الناقة، لأن الصيعرية سمة تكون في عنق الناقة لا الجمل.

ومن الأمثلة على هذا اللون من النقد- أيضاً- ما روى أن الحطيئة سئل: من أشعر العرب؟ قال: الذي يقول:

يفره ومن لا يتق الشتم يشتم [36]

ومن يجعل المعروف من دون عرضه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015