"اعلم أن (في) حرف جار لما بعده ومعناها الوعاء حقيقة أو مجازاً، فالحقيقة نحو: جعلت المتاع في الوعاء، ومنه قوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 395) . والمجاز نحو: دخلت في الأمر وتكلمت في شأن حاجتك ومنه قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة} (البقرة: 208) . ونحو {وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْر} (الأنفال: 5) . غير أنها في بعض الأحيان قد ترادف (إلى) فتقترض معنى انتهاء الغاية منها نحو قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} (إبراهيم: 6) . أي إلى أفواههم [6] .
الباء- في:
أ- (الباء) الأصل فيها أن تفيد معنى القسم بل هي أصل أحرفه، ولذا خصت بجواز ذكر الفعل معها نحو: أقسم بالله لتفعلن ودخولها على الضمير نحو: بك لأفعلن غير أن (الباء) قد تقترض من (في) معنى الظرفية يدل على ذلك الشواهد الكثيرة منها قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} (الصافات: 37، 38) . أي وفى الليل ونحو {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} (آل عمران: 123) . أي في بدر ونحو {إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} (القمر: 36) . أي في سحر ونحو {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ} (القصص: 44) . أي في جانب الغربي، ونحو: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} (يونس: 87) . أي في مصر، ونحو قول زهير:
وأطْلاؤها ينهضن من كل مجثم
بها العِينُ والآرام يَمْشِين خِلْفَة
وقال ذي الرُّمَّه:
أراك لها بالبصرة العام ثاويا
أذو زوجة بالمصر أو ذو خصومة
أي فيها العين والآرام وأذو زوجة في المصر [7] .
ب- وقد تقترض (في) معنى (الباء) وذلك نحو قول زيد الخير بن مهلهل:
بصيرون في طعن الأباهر والكلى