ولما علم الخليفة العباسي المعتصم بالله بسلطنة الشجرة الدر أنكر ذلك إنكاراً شديداً [29] ، فرأت أن بقاءها في السلطنة غير ممكن فتزوجت من معز الدين أيبك التركماني أحد أمراء المماليك وتنازلت له عن السلطنة وبذلك انتقل الملك من الأيوبيين إلى المماليك. وقد واصل المماليك الجهاد ضد الصليبين ففتح الظاهر بيبرس (658-676هـ) كثيراً من مدنهم وأهمها قيسارية وأرسوف وصفد وطبرية ويافا وأنطاكية وفتح المنصور قلاوون (679- 689 هـ) طرابلس وعزم على حصار عكا ولكن المنية عاجلته [30] . وخلفه ابنه الأشرف خليل (689- 693 هـ) فحاصرها نحو شهر حتى فتحها سنة 690 هـ. وكانت عكا آخر معقل للصليبيين في بلاد الشام فلما تم فتحها سلم ما بقي من أيديهم من المدن في ظرف شهرين دون مقاومة وقضى على دولتهم القضاء الأخيرة [31] .
وهكذا واصل المسلمون الجهاد حتى استردوا ما اغتصبه الصليبيون من بلادهم ولم يهنوا امتثالاً لقول الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [32] وواصلوا جهادهم واثقين بوعد الله للمجاهدين في سبيله بالنصر حيث يقول جلّ شأنه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [33] .
فلعل المسلمين أن يقتدوا بأسلافهم ويُوحدوا جهودهم ليخلصوا بلادهم من الصهاينة كما فعل أسلافهم من قبل مع الصليبيين {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [34] .
الشهادة على سمكة
حكى عبد الرحمن بن هارون المغربي. عند القزويني- أنه ركب بحر المغرب فوصلنا إلى موضع يقال له البطرون وكان معنا غلام صقلي معه سنارة فألقاها في البحر فصاد بها سمكة نحو البشر فنظرنا. فإذا خلف أذنها اليمنى مكتوب لا إله إلا الله وفي قفاها محمد وخلف أذنها اليسرى رسول الله. القزوينى ص 177