ولما اشتد التنافس بين أمراء حلب وأمراء دمشق على السيطرة على السلطان الصغير أرسل شمس الدين بن المقدم إلى صلاح الدين يدعوه للقدوم من مصر إلى دمشق ليسلمها إليه وانتهز صلاح الدين هذه الفرصة وسار إلى دمشق وتسلمها سنة 570 هـ وأعلن أنه ليس خارجاً على الملك الصالح وأنه إنما جاء إلى الشام ليحافظ على ملكه [11] .
وفي سنة 577 هـ توفي الصالح إسماعيل ولم يترك وارثاًَ للعرش وكان صلاح الدين بمصر فلما علم بوفاته اتجه إلى الشام فدانت له حلب وخضع لسلطانه أكثر مدن الموصل. وبذلك انتهت دولة الأتابكة في الشام التي كان قد أسسها عماد الدين زنكي سنة 522 وشيد بنيانها ابنه نور الدين محمود بعد أن حملت لواء الجهاد ضد الصليبين نحو نصف قرن حتى أنهكت قواهم وورثتها الدولة الأيوبية التي كانت ثمرة طيبة من ثمارها.
موقعة حطين:
لم تخل الفترة التي قضاها صلاح الدين في توحيد القوى الإِسلامية (572- 582 هـ) من حروب بينه وبين الصليبيين. وفي سنة 576 هـ عقدت هدنة بين صلاح الدين وبين (بلدوين الرابع) ملك بيت المقدس (ريموند) أمير طرابلس لمدة سنتين ولكن أرناط (ريجينالد) أمير حصن الكرك الذي يتبع بيت المقدس لم يحترم تلك الهدنة ودأب على مهاجمة القوافل السائرة بين دمشق والقاهرة وفي السنة التالية لعقد الهدنة عزم على توجيه حملة إلى بلاد الحجاز ولكن عزّ الدين فرخشاه ابن أخي صلاح الدين ونائبه على دمشق علم بذلك فأغار على حصن الكرك وشغل أرناط عن تنفيذ ما عزم عليه [12] .
وفي العام التالي لهذه الحادثة اتجه أرناط على رأس حملة بحرية إلى شواطئ الحجاز يريد غزو مكة والمدينة. وكان صلاح الدين بالموصل وقتئذ ونائبه في مصر أخوه العادل فأرسل العادلا أسطولاً التقى بأسطول الصليبيين شمال ينبع وهزمه هزيمة ساحقة وأسر كثيراً من بحارته وفر أرناط بمن بقي معه [13] .