من هذه القرائن، إزالة ما كان يجول في خواطر كثير من الأنصار بل وقد صرح بعضهم به من أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيستقر في مكة بين أهله وعشيرته بعد أن فتحها الله عليه.
ومنها: إزالة الهواجس من نفوس البقية الباقية من المكيين على شركهم والذين لا يزالون يعتقدون، أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما يريد أن يكون ملكاً عليهم، ثم من خلالهم على بقية العرب- فرحيله بسرعة عنهم بعد أن يسلم بعضهم مقاليد مدينتهم من شأنه أن يبدد هذه الهواجس ويفتح بدلاً منها نوافذ للتفكير في أمر الدعوة والداعي يصل بهم إلى الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: تلك الأنباء التي كانت ترد تباعاً عن هوازن وثقيف وعزمها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت الحكمة تقضي بالخروج إليهم بسرعة قبل أن يستكملوا عددهم وعدتهم.
وهكذا نجد القرائن تفيد أن إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة مدة محددة لم تكن واردة وإنما كانت الظروف تنبئ بأنه سيغادرها في أول فرصة تسنح له. وعلى ذلك فمهما أقام فهو في سفر ولو أقام شهوراً، وقد قال الترمذي في سننه "أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون" [33] .
وأخرج البيهقي عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة [34] .
كما أخرج أيضا عن نافع عن ابن عمر أنه قال أرتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة، قال ابن عمر وكنا نصلي ركعتين [35] .