كما أنهم يحتجون بما فعله عمر رضي الله عنه حينما حدد لليهود والنصارى والمجوس ثلاثة أيام إذا قدموا المدينة بقصد التجارة: فقد أخرج البيهقي عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عمر "ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوقون بها ويقضون حوائجهم ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث" [23] .
وقالوا إن تحديد النبي صلى الله عليه وسلم البقاء للمهاجرين ثلاثة أيام بمكة ثم اقتداء عمر بن الخطاب بتحديده ثلاثة أيام لغير المسلمين، يشير إلى أن البقاء أكثر من ثلاثة أيام يزيل حكم السفر. ويصير الشخص مقيماً وأقل ما يتحقق به هذا الوصف هو البقاء أربعة أيام. ونقل مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني: أن سعيد بن المسيب يقول: من أجمع على إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة [24] .
قال مالك- تعليقا على قول سعيد بن المسيب-: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا [25] .
ويناقش هذا الاستدلال: بأن تحديد الرسول صلى الله عليه وسلم للمهاجرين ثلاثة أيام للبقاء في مكة لا يتعين حمله على أن الثلاثة لا تقطع حكم السفر وأن ما زاد عليها يزيل حكمه، إذ من الجائز أن تكون الثلاثة أيام لازمة لتسوقهم وشراء ما يحتاجون إليه من زاد أو هدايا أو غير ذلك.
لكن يجاب على ذلك، بأن هذه الأشياء لازمة للمهاجر وغيره، فتخصيص المهاجر بهذا التحديد لابد فيه من حكمة، وهذه الحكمة تتمثل في أن المهاجرين ممنوعون من الإقامة في مكة، فتحديد الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ثلاثة أيام للبقاء يفهم منه أن البقاء أكثر من ذلك يقطع حكم السفر ويدخلهم في نطاق المنع وهذا هو ما يظهر من حكمة التحديد أو هو أقوى الاحتمالات الواردة عليه. والله أعلم.
وما قيل في تحديد الرسول صلى الله عليه وسلم للمهاجرين: يقال أيضاً في تحديد عمر رضي الله عنه لغير المسلمين بالبقاء ثلاثة أيام بالمدينة.