وهناك رأي ثالث لإسحاق بن راهويه: وهو: أن المسافر له الفطر متى تحرك في بدء سفره، قال إسحاق: إذا وضع رجله في الرحل، فله أن يفطر وحكاه عن أنس بن مالك. وقد تقدم حديث أنس المفيد لذلك قريبا.
ويمكن أن يستدل له بحديث أبي البصرة الغفاري أيضاً حيث طلب غذاءه فأكل بعد أن تحركت به السفينة وهو لا يزال بمرأى من مباني بيوت البلدة. وقد تقدم قريباً وتقدم بيان ما قيل فيه.
المختار: كل من الآراء الثلاثة له مستند قوي من السنة: فحديث بدء قصره صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة يؤيد رأي الجمهور في أن الفطر يكون بعد مجاوزة البيوت، والحديث وإن لم يكن نصا في الموضوع إلا أن القصر والفطر يشتركان في أكثر الأحكام. وحديث أنس يقوي وجهة من قال بجواز الفطر قبل الخروج من البيت وهو وإن لم يصرح فيه بذلك، إلا أنه مفهوم من السياق، لأنه مادام قد أكل بعد أن رحلت له دابته، فليس من الجائز أن يكون قد أكل في الطريق وليس في هذا الحديث دليل لإسحاق، لأن أنس قد أكل قبل أن يركب، لكن ما يشهد لإسحاق هو حديث أبى بصرة، لأن فيه: أنه قد أكل بعد أن تحركت به سفينته، وهو على مرأى من البيوت وإذا قيل: بأنه قد أكل بعيد مجاوزة البيوت أي بعد أن جاوزها بقليل- فهذا القول ليس ببعيد- لأن قول الراوي له: ألست ترى البيوت، يفهم منه، أن الأكل قد حدث قبل مجاوزة البيوت أو بعدها بقليل بحيث لم تغب البيوت عن نظرهما.
وعلى ذلك فليس هناك ما يمنع من حدوث الفطر في البيت لمريد السفر بشرط أن يكون ذلك بعد أن ينتهي من الاستعداد له وإن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد مجاوزة البيوت. والله أعلم.
انقطاع الرخصة بإجماع المسافر الإقامة أثناء سفره: