والموضع الثاني الذي اقترن به اسم (الحميد) سبحانه باسم (العزيز) هو قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (سبأ آية 6) . ومعنى هذه الآية أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة ومجازاة الأبرار والفجار بالذي كانوا قد علموه من كتب الله تعالى في الدنيا، رأوه حينئذ عين اليقين، وأن هذا الحق هو وحده الذي يهدي إلى صراط العزيز المنيع الجناب، الذي لا يًغَالبَ ولا يًمَانَع، بل قهر كل شيء وغلبه، وهو الحميد في جميع أقواله، وأفعاله، وشرعه، وقدره، وهو المحمود في ذلك كله جل وعلا [14] .
ومعنى الآية في جامع البيان أن الذين أوتوا العلم كمؤمني أهل الكتاب أو كالصحابة ومن تبعهم يرون -عند مجيء الساعة- أن القرآن هو الحق عياناً كما علموه الآن برهاناً وهو يهدي إلى صراط العزيز الحميد وهو دين الإسلام.
وذكر الشوكاني معنى قوله تعالى: {وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ، أنه يهدي إلى طريق العزيز في ملكه، الحميد عند خلقه، والمراد أنه يهدي إلى دين الله وهو التوحيد [15] .
ومعنى الآية في صفوة التفاسير أن القرآن يرشد من تمسك به إلى طريق الله العزيز أي الغالب الذي لا يقهر، الحميد أي المحمود في ذاته وصفاته وأفعاله [16] .
والموضع الثالث الذي اقترن به اسم (الحميد) سبحانه باسم (العزيز) قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} . ومعنى هذه الآية أنه ما كان لهم عندهم ذنب إلا إيمانهم بالله (العزيز) الذي لا يضام من لاذ بجنابه المنيع. (الحميد) في جميع أقواله، وأفعاله، وشرعه، وقدره، وإن كان قد قدر على عباده هؤلاء هذا الذي وقع بهم بأيدي الكفار به، فهو العزيز الحميد وإن خفي سبب ذلك على كثير من الناس [17] .