وقد ذهب إلى هذا الرأي الحافظ ابن كثير وقال: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة آية 1. 2) ، {الم، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْه} (آل عمران آية 1. 2. 3) ، {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} (الأعراف آية 1. 2) ، {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} (إبراهيم آية 1) ، {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة آية 1، 2) ، {حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الشورى آية 1، 2، 3) ، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم [7] . هذا ما يتعلق بالحروف المقطعة.
أما آية مفتتح سورة إبراهيم فمعناها- بعد الحروف المقطعة- أن هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد وهو القرآن العظيم الذي هو أشرف كتاب أنزله الله من السماء على أشرف رسول بعثه الله في الأرض إلى جميع أهلها عربهم وعجمهم، لتخرج به الناس مما هم فيه من الضلال والغي إلى الهدى والرشد، بإذن ربهم لأنه هو الهادي لمن قدر له الهداية على يدي رسوله المبعوث عن أمره، يهديهم إلى صراط العزيز الذي لا يمانَع ولا يغالَب، بل هو القاهر لكل ما سواه، الحميد أي المحمود في جميع أفعاله، وأقواله، وشرعه، وأمره، ونهيه، الصادق في خبره [8] .