ولقد بلغت تلك البشريات في التوراة والإنجيل بمبعث خاتم الرسل (صلى الله عليه وسلم) حدا لم يبق معه مجال للتجاهل، حتى أصبح أولو العلم من أهل الكتاب {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة 146) . ولم يقف أمر هذه البشائر على ذوي العلم من خاصة أهل الكتاب وحدهم، بل لقد انتشرت أنباؤها في سوادهم، حتى لقد كان يهود يثرب يوعدون وثنييها من العرب بأن نبيا أطل زمانه سيتبعونه ويقاتلونهم معه فيقتلونهم قتل عاد وارم {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة 89) .
وحسبنا بهذه الشهادات الدامغة أدلة مقنعة بما أسلفناه من أن ذكر محمد (صلى الله عليه وسلم) كان محفوظا في الكتب المقدسة، وعلى ألسنة أهل العلم، الذين كانوا لا يبرحون يتوارثونه جيلا بعد جيل منذ بعث الله أول نبي وحتى تقوم الساعة.
وليست قصة سلمان (رضي الله عنه) وضربه في الأرض بحثا عن الحق وتلقيه خبر محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلاماته من أسقف عمورية، إلا واحدا من نقول الثقات بعضهم عن بعض لهذه المبشرات..
وحتى موروثات الهنود والفرس القديمة من علوم أسلافهم لم تخل من هذه المبشرات، وقد عني بالحديث عنها كثيرون من مؤرخي المسلمين كابن حزم والشهر ستاني وابن تيمية ورحمة الله الدهلوي، وفي كتاب (مطالع الأنوار) لعباس محمود العقاد نماذج وفيرة لمن شاء المزيد من أخبارها. ويقول الأخ الدكتور ضياء الرحمن الأعظمي – الهندي - إنه معني بتأليف كتاب يحمل الكثير من بشائر الكتب الهندوسية بمحمد (صلى الله عليه وسلم) [21] .
وسأختم هذا العرض بواحدة من هذه البشائر التي لا مجال للمراء في مدلولها، وقد اخترتها من الكتاب المنسوب إلى أشعياء في مجموعة العهد القديم.